ألإستعانة بألعوالم السفلية في الرقية الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الواحد الاحد ، الذى عمت بحكمته الوجود ، و الذى شملت رحمته كل الوجود ، نحمده الله سبحانه وتعالى ونشكره بكل لسان محمود ، ونشهد أنه لا اله إلا هو وحده لا شريك له له الحمدله وله الملك وهو الغفور الودود ، وعد سبحانة وتعالى من اطاعه بالعزة ، كما توعد من عصاه بالنار ، ونشهد أن نبينا محمداً بن عبد الله هو عبده ورسوله ، صاحب المقام المحمود ، والحوض المورود ، و صل الله عليه وسلم تسليماً كثيرا ،
الحمد لله الواحد الاحد ، الذى عمت بحكمته الوجود ، و الذى شملت رحمته كل الوجود ، نحمده الله سبحانه وتعالى ونشكره بكل لسان محمود ، ونشهد أنه لا اله إلا هو وحده لا شريك له له الحمدله وله الملك وهو الغفور الودود ، وعد سبحانة وتعالى من اطاعه بالعزة ، كما توعد من عصاه بالنار ، ونشهد أن نبينا محمداً بن عبد الله هو عبده ورسوله ، صاحب المقام المحمود ، والحوض المورود ، و صل الله عليه وسلم تسليماً كثيرا ،
اما بعد فنقدم الى سيادتكم هذا البحث المختص بمسألة حكم الاستعانة بالجن غي الرقيةالشرعية ؟
ونرجوا من الله ان ينال البحث اعجابكم وان نكون عند حسن ظنكم
كما نرجوا من الله ان يكون وفقنا لتقدم المعلومات الكافيه الخاصة بدراسة ومناقشة هذا الموضوع
وفى انتظار تقييمكم وملاحظاتكم من اجل تطوير هذا البحث الى الافضل
ونشكر لكم سعة صدركم.ونترككم مع:
حكم الإستعانة بالجن في الرقية , وقول شيخ الإسلام في هذه المسألة !
قبل البدء في سرد القول حول المسألة يجب أن يكون مدار التحكيم لكل قول ورأي , كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , فما كان موافقا لهما قبلناه وعملنا به , وما كان مخالفا رددناه على قائله كائنا من كان ولم نعمل به , لأن الله تعالى لم يتعبدنا إلا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم , قال تعالى لرسوله : " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ " .
وقال تبارك وتعالى : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " . وقال جل ذكره " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
قال ابن باز رحمه الله : والعبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى ، وقول رسوله ، وتقديمهما على قول كل أحد ، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة . أ هـ .
ومسألة الاستعانة بالجن المسلم من المسائل التي كثر حولها الكلام في هذا الوقت وكانت لوقت قريب منكرة من العالِم والعامي على حد سواء , حتى تكلم فيها بعض الفضلاء من الرقاة وطلبة العلم , وليس لمن يقول بالجواز أصل شرعي يعتمد عليه سوى كلام عام لشيخ الإسلام رحمه الله فُهم منه تجويز ذلك وهو قوله كما في مجموع فتاواه : والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال :
ومسألة الاستعانة بالجن المسلم من المسائل التي كثر حولها الكلام في هذا الوقت وكانت لوقت قريب منكرة من العالِم والعامي على حد سواء , حتى تكلم فيها بعض الفضلاء من الرقاة وطلبة العلم , وليس لمن يقول بالجواز أصل شرعي يعتمد عليه سوى كلام عام لشيخ الإسلام رحمه الله فُهم منه تجويز ذلك وهو قوله كما في مجموع فتاواه : والمقصود هنا أن الجن مع الإنس على أحوال :
1.فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه , ويأمر الإنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى , وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه .
2.ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له , وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم , ويستعملهم في مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك , وهذا إذا قدر أنه من أولياء الله تعالى فغايته أن يكون في عموم أولياء الله , مثل النبي الملك مع العبد الرسول : كسليمان ويوسف مع إبراهيم , وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
3.ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك , وإما في قتل معصوم الدم , أو في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وإنسائه العلم , وغير ذلك من الظلم , وإما في فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة , فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان , ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر , وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص : إما فاسق وإما مذنب غير فاسق , وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات , مثل أن يستعين بهم على الحج , أو أن يطيروا به عند السماع البدعي , أو أن يحملوه إلى عرفات , ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله , وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به . وكثير من هؤلاء قد لا يعرف أن ذلك من الجن بل قد سمع أن أولياء الله لهم كرامات وخوارق للعادات , وليس عنده من حقائق الإيمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية , فيمكرون به بحسب اعتقاده فإن كان مشركا يعبد الكواكب والأوثان أوهموه أنه ينتفع بتلك العبادة , ويكون قصده الاستشفاع والتوسل ممن صور ذلك الصنم على صورته من ملك أو نبي أو شيخ صالح فيظن أنه صالح , وتكون عبادته في الحقيقة للشيطان قال الله تعالى : { ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون () قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } .
فُهم من هذا الكلام تجويز الاستعانة بالجن المسلم بزعم قائليه . وقبل الإجابة على بعض المسائل المتعلقة بهذا النقل لابد أن يتقرر أن شيخ الإسلام وغيره من علماء الملة صب الله على قبورهم شآبيب الرحمة والرضوان بشر , يصيبون ويخطئون وليسوا بمعصومين , وهم أقرب وأحرى للحق من غيرهم .
وهنا وقفات مع النص الذي تمسك به المجيزون للاستعانة بالجن المسلم :
الوقفة الأولى :
أن كلام شيخ الإسلام عام ولم يأت بتفصيل في المسألة , وإنما جاء التفصيل ممن فهم هذا العموم , وقال بأنه مقصد شيخ الإسلام رحمه الله .
أن كلام شيخ الإسلام عام ولم يأت بتفصيل في المسألة , وإنما جاء التفصيل ممن فهم هذا العموم , وقال بأنه مقصد شيخ الإسلام رحمه الله .
الوقفة الثانية :
مع التسليم بأنه أراد ما فهموه فالشيخ يقول بتجويز استعمال الجن في الأمور المباحة للشخص نفسه لا لغيره بدليل قوله : ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ... , وقوله ... ويستعملهم في مباحات له ... , وهذا يخالف ما يدّعيه المستعينون بالجن فإنهم يستعينون بهم لحاجات غيرهم من علاج المرضى وإخبارهم بأسباب المرض وغير ذلك .
مع التسليم بأنه أراد ما فهموه فالشيخ يقول بتجويز استعمال الجن في الأمور المباحة للشخص نفسه لا لغيره بدليل قوله : ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له ... , وقوله ... ويستعملهم في مباحات له ... , وهذا يخالف ما يدّعيه المستعينون بالجن فإنهم يستعينون بهم لحاجات غيرهم من علاج المرضى وإخبارهم بأسباب المرض وغير ذلك .
الوقفة الثالثة :
قد مثّـل رحمه الله بما أراد وقصد بكلامه فقال : كأن يأمرهم بما يجب عليهم , وينهاهم عما حرم عليهم ... , والذين يدعون العون من الجن المسلم لم يُسمع عن أحدهم أنه كان يدعو الجن لعبادة الله وينهاهم عن الشرك به , بل على العكس كثيرا ما يقال أن الراقي فلانا رقى أحد المرضى وتحدث مع الجن المتلبس به ثم أسلم هذا الجني أو ترك الظلم إن كان مسلما , ثم عرض على الراقي أن يعينه على هذا الأمر فوافق الراقي , وبدأ الأمر يتسع حتى سُمع أن بعضهم يدَّعي أن مملكة من الجن تعينه على الرقية , نسأل الله السلامة والعافية .
قد مثّـل رحمه الله بما أراد وقصد بكلامه فقال : كأن يأمرهم بما يجب عليهم , وينهاهم عما حرم عليهم ... , والذين يدعون العون من الجن المسلم لم يُسمع عن أحدهم أنه كان يدعو الجن لعبادة الله وينهاهم عن الشرك به , بل على العكس كثيرا ما يقال أن الراقي فلانا رقى أحد المرضى وتحدث مع الجن المتلبس به ثم أسلم هذا الجني أو ترك الظلم إن كان مسلما , ثم عرض على الراقي أن يعينه على هذا الأمر فوافق الراقي , وبدأ الأمر يتسع حتى سُمع أن بعضهم يدَّعي أن مملكة من الجن تعينه على الرقية , نسأل الله السلامة والعافية .
الوقفة الرابعة :
أنه رحمه الله مثَّل للمغرور بالجن والذي وقع في مكرهم بالمستعين بهم على الحج , أو أن يطيروا به عند السماع البدعي , أو أن يحملوه إلى عرفات , ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله , وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك , فهذا مغرور قد مكروا به , وقد عد هذا الشخص أنه ممن غره الجن ومكروا به , فماذا سيقول رحمه الله فيمن يستعين بهم في تطبيب الناس وكشف بعض أمراضهم ؟
أنه رحمه الله مثَّل للمغرور بالجن والذي وقع في مكرهم بالمستعين بهم على الحج , أو أن يطيروا به عند السماع البدعي , أو أن يحملوه إلى عرفات , ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله , وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة ونحو ذلك , فهذا مغرور قد مكروا به , وقد عد هذا الشخص أنه ممن غره الجن ومكروا به , فماذا سيقول رحمه الله فيمن يستعين بهم في تطبيب الناس وكشف بعض أمراضهم ؟
هذا إذا سُلّم جدلا أن شيخ الإسلام رحمه الله يجيز الاستعانة بهم في معرفة أحوال الناس كما يقوله المجيزون للاستعانة بالجن , وإلا فمقصد شيخ الإسلام الاستعانة بهم بما فيه مصالح للشخص لا لغيره كما تقدم وكما سيأتي .
قال شيخ الإسلام : ومنهم من يستخدمهم ( أي الجن ) في أمور مباحة , إما إحضار ماله أو دلالة على مكان فيه مال ليس له مالك معصوم , أو دفع من يؤذيه , ونحو ذلك فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك .
فإحضار مال الشخص , أو دلالته على مكان فيه مال ليس له مالك , أو دفع من يؤذيه في نفسه هو ما قصده شيخ الإسلام من تجويزه الاستعانة بالجن , لا أن تخبره الجن بأن فلانا معيون , وفلانا ممسوس , وفلانا مسحور سحره فلان ومكان سحره في مكان كذا , فهذا من التجني على شيخ الإسلام , وكلامه يفسر بعضه بعضا لا أن يؤخذ متشابهه , ويُحمل على أن قوله في هذه المسألة كذا وهو رحمه الله قد نص في مكان آخر بمقصوده , فليتنبه لهذا مع كل علماء الملة رحمهم الله لئلا يُقوّلوا ما لم يَقولوا .
وهذه المناقشة صحيحة إذا قيل إن الأمر ليس فيه نص شرعي , وأنه من عداد المسكوت عنه , وأنه في دائرة المباحات , فكيف إذا كان الأمر قد جاء بعمومه في الكتاب والسنة , وقد تكلم فيه بعض العلماء , فيجب هنا إذعان المؤمن لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ولابد .
وفي المسألة عمومات من الآيات والأحاديث فمن الآيات :
قول الله تعالى : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " .
وقال جل في علاه : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " .
قول الله تعالى : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " .
وقال جل في علاه : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " .
قال ابن كثير رحمه الله : أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف ، وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره .
وأي تزيين وتزويق أعظم من قول الجني للمستعين به : إن فلانا معيون , وفلانا ممسوس , وفلانا مسحور, فيجد أن كلامه مطابق للواقع فيحسب أنه من كرامة الله له !
وقال جل جلاله : "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ " .
ذكر البغوي رحمه الله أن من استمتاع الإنس بالجن : تزيينهم لهم الأمور التي يهوونها , وتسهيل سبيلها عليهم .
ذكر البغوي رحمه الله أن من استمتاع الإنس بالجن : تزيينهم لهم الأمور التي يهوونها , وتسهيل سبيلها عليهم .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ومن استمتاع الإنس بالجن استخدامهم في الإخبار بالأمور الغائبة .
وهذا النقل عن شيخ الإسلام يبطل من زعم أنه يذهب إلى تجويز الاستعانة بالجن في الرقية وغيرها, فالكشف عن بواطن العلل الروحية من الأمور الغائبة يقينا .
وقال العيني رحمه الله : وما نهي عنه هو رقية العزامين ومن يدعي تسخير الجن .
وقد سُحر النبي صلى الله عليه وسلم , واحتاج للمخبرين في غزواته وتحركات أعدائه , ولم يستعن بالجن مع أنه قد ثبت أن بعض الجن اجتمع به صلى الله عليه وسلم وآمنوا به , وولوا إلى قومهم منذرين كما في سورة الجن , وهذا من الدلائل على حرمة هذا الفعل .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستخدم الجن أصلا لكن دعاهم إلى الإيمان بالله , وقرأ عليهم القرآن , وبلغهم الرسالة , وبايعهم كما فعل بالإنس .
أضف إلى ذلك أن هذا العمل فيه من التشبه بالسحرة والكهان وأهل الضلال , وأهل العلم يقررون أن الحق إذا اختلط بالباطل وجب منع الجميع !
فكيف يقال عن أمر مثل هذا بأنه جائز بحجج ضعيفة , أو دعوى المنفعة ؟!
وقد قال الشيخ عبد الله ابابطين رحمه الله : والشيء إذا كان محرماً في الشرع ، فلا يبيحه دعوى نفعه بالتجربة .
وهذا من كيد الشيطان لبعض الناس خاصة أهل الصلاح والخير , وقد تقدم فصل في كيد الشيطان , وأنه ماض في إغواء بني آدم بكل الطرق , وأنه يدخل من مدخل الطاعة ويدخل بالشبهة والشهوة , والله عز وجل حذرنا مكر الشيطان وخديعته في أكثر من موضع من كتابه , ومن ذلك قول خالقنا وخالقه تعالى وتقدس : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .
قال الألباني رحمه الله في هذه المسألة: فهي عندي نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } ، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا } , فمن استعان بهم على فك سحر زعموا أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ؟ مسلم أم كافر ؟ وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده ، فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله عليه وسلم : من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ، وفي حديث آخر : لم تقبل له صلاة أربعين ليلة , فينبغي الانتباه لهذا ، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتُلُوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة ، فأنصحهم إن استمروا في مهنتهم أن لَا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي صلى الله عليه وسلم : اخرج عدو الله ، مذكرا لهم بقوله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } , والله المستعان , ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله .
ومع هذه النقول فإن الراقي الذي يدعي الاستعانة بالجن يزعم أنه لا يستعين إلا بالمسلم فقط , وأن ما تقدم من نصوص إنما هو في حق الاستعانة بالكفار منهم أو العصاة , والجواب عن هذه الشبهة :
أن الجن عالم غيبي مجهول لنا فكيف يقال بأن فلانا الجني مسلم !
وإن سُلّم أنه مسلم مع كثرة كذبهم وادعائهم الإسلام , فمن أين يُعرف أنه ثقة يوثق به في أمور الناس وأعراضهم الصحية .
وإن سُلّم تنزلا أنه مسلم ثقة , فمن أين يُعرف أن عمله هذا لله , وأنه غير مُجبر من قبل الشياطين على استدراج هذا الراقي إلى المعاصي , ثم البدع ثم الشرك , وقد وقع هذا مع بعض الرقاة .
قال الألباني رحمه الله: وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم ( أي الجن ) أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم , دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن عادة مخالطتهم و معاشرتهم , التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم , ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس , يتبين لك أنهم لا يصلحون , قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) , هذا في الإنس الظاهر , فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم : ( إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم ) .
كما أنه لم يُنقل عن جمهور الصحابة ( الاستعانة بالجن في التداوي وحَلِّ السحر والعين ) وهم أدرى الناس وأعمق هذه الأمة علماً وأتمِّها إيماناً ؛ ولو أنهم فعلوا ذلك أو قالوه لنُقِل عنهم ؛ إذ إن ذلك مما تتوفر الدواعي لنقله ؛ فدلَّ ذلك على أن مجانبة الاستعانة بالجن هو السُّنة والصراط المستقيم .
والجن لا تخضع بإطلاق لأحد من الناس ، ولو خدمتْ أحداً ؛ فلا يكون إلا بمعاوضة واستمتاع ، كما بيَّنه ابن تيمية بقوله : « وليس أحد من الناس تطيعه الجن طاعة مطلقة ، كما كانت تطيع سليمان بتسخير من الله وأَمْرٍ منه من غير معاوضة. قال - تعالى - : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ{12} يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{13} } سبأ .
والذي أعطاه الله لسليمان - عليه السلام - خارج عن قدرة الجن والإنس ؛ فإنه لا يستطيع أحد أن يُسخِّر الجن مطلقاً لطاعته ، ولا يستخدم أحداً منهم ؛ إلا بمعاوضة : إما عمل مذموم تحبُّه الجن ، وإما قول تخضع له الشياطين ، كالعزائم8 ؛ فإن كل جني فوقه من هو أعلى منه ؛ فقد يخدمون بعض الناس طاعة لمن فوقهم »9.
والمقصود أن الاستعانة بالجن واستخدامهم مطلقاً ليست من الشرع المحمدي ، ولا من التصرف القدري الذي كان آية لسليمان ، عليه السلام ؛ فلا هي مشروعة ولا مقدورة .
- إذا كان الأصل في سؤال الناس التحريم ، والأحاديث في النهي عن ذلك متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لما فيه من التفات إلى غير الله - تعالى - وافتقار إلى البشر ، وهذا نوع شرك ؛ فكيف بسؤال الجن الذي لا ينفك عن مفاسد متحققة ومتوقَّعة ؟ ولا سيما أن للجن من القدرات والتصرفات ما ليس للبشر ، وهو ما يزيد البلاء ، ويُعظِم الفتنة.
- أن الاستعانة بالجن ليست سبباً ظاهراً في حصول المطلوب ؛ ولذا أمر الإمام أحمد بن حنبل بترك ذلك ، كما جاء في آخر كتاب الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلي : « وقد قال أحمد في رواية الفرج بن علي الصباح البرزاطي : في الرجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصراع بالرقى والعزائم ، ويزعم أنه يخاطب الجن ويكلِّمهم ، ومنهم من يخدمه ويحدِّثه ، فقال أحمد : « ما أحبُّ لأحد أن يفعله ، وتَرْكه أحبُّ إليَّ ».
ولو كان سبباً ، فإن مفاسده تربو على مصالحه ، ومضرته أعظم من نفعه .
والاستعانة بهم هي التفات إلـى من لا تُعـرَف أحـوالهم ، ولا تُعرف أشخاصهم ولا عدالتهم ؛ فهم مجهولو العين والحال ، كما أن الاستعانة بالجن تفتح أبواباً من الشرور والبلايا ، والشريعة قد جاءت بسدِّ الذرائع وحماية جَنَاب التوحيد ، ومَنْع كل طريق يوصل إلى الشرك
كما أن الاستعانة بالجن هي استعانة بالغائبين ، والاستعانة الجائزة إنما تكون بحاضر حي قادر ، بل إن هذه الاستعانة تحاكي الاستعاذة بالجن ، وخاصة أن الاستعاذة والاستعانة متقاربة المعنى .
ونخلص إلى أن الاســتعانة بالجن ليسـت سُــنة مأثورة ، ولا سبيل سلف الأمة الأوائل ؛ فهي لا تنفك عن تعلُّقٍ والتفاتٍ ينافي تحقيق التوحيد ، بل ربما أفضى إلى الشرك الصراح ، إضافة إلى أن الاستعانة بالجن ليست سبباً ظاهراً معقولاً ، وإنما هي تعويل على مجهول ، وتشبث بمن لا يدري عن عدالته وصدقه ؛ فهل بعد هذا يسوغ تقرير الاستعانة بالجن ؟
هذا ماوفقنا الله سبحانه وتعالى إلى جمعه وضمه إلى بعضه ؛لنجعل منه مصباحا صغيرا ينير طريق السالكين في ظلمة الليالي الحالكة ؛ راجين من العلي القدير التوفيق والقبول وذخرا في القبور. والله المستعان.
ألإستعانة بألعوالم السفلية في الرقية الشرعية
Reviewed by Unknown
on
3:12 ص
Rating:
ليست هناك تعليقات: